قال: [والشيخ رحمه الله لم يتعرض إلى هذه المسألة بنفي ولا إثبات] يقصد الإمام الطحاوي [ولعله يكون قد ترك الكلام فيها قصداً] يريد أن تركه لها ليس مجرد نسيان، أو لأنها ليست مهمة فلم ترد على باله، فقد يكون تركها عامداً؛ [فإن الإمام أبا حنيفة رحمه الله] ونص المصنف على أبي حنيفة لأن الإمام الطحاوي حنفي المذهب، [وقف في الجواب عنها على ما ذكره في مآل الفتاوى]، وقد علق الشيخ شعيب على هذا بقوله -وهو عليم بمذهب الحنفية-: ( وهو الملتقط تأليف أبي القاسم محمد بن يوسف العلوي السمرقندي الحنفي عالم بالتفسير والحديث والفقه والوعظ، مات سنة (556هـ): هذا الكتاب هو من كتب المسائل والفتاوى في المذهب الحنفي.
وقد نسب أصحاب أبي حنيفة الذين جمعوا مذهبه إليه أنه توقف عن الجواب في هذه المسألة، ولم يقطع فيها بجواب، وليست وحدها، يقول: [فإنه ذكر مسائل لم يقطع أبو حنيفة فيها بجواب، وعدّ منها التفضيل بين الملائكة والأنبياء].
وهنا نقف وقفة -للعبرة والاتعاظ- أمام ورع السلف الصالح في هذا الباب. الإمام مالك قيل: إنه سئل في أربعين مسألة فأجاب في ست وثلاثين منها بـ: (لا أدري)، وهذا أبو حنيفة يذكر عنه هذا، ومسائل الإمام أحمد وكذلك الشافعي، وهي مدونة ومطبوعة بالأسانيد الصحيحة تجد فيها قولهم: (لا أدري)، (لا أعلم)، (لم يبلغنا شيء).
فكانوا يتوقفون ويتحرزون من الفتيا بغير علم، وهؤلاء الأئمة الكبار والعلماء المقتدى بهم، المعتبرون عند الأمة جميعاً، المجمع على فضلهم وعلمهم، ولا يطعن فيهم إلا زنديق أو عدو للإسلام مجاهر.. يتوقفون في مسائل، وهذه المسائل -أو ما هو أشد منها وأدق وأشد غموضاً- لو عرضت على طويلب الآن لقطع فيها برأيه، ولأفتى ولم يتردد، وهذا دليل على أننا لا نتأدب بآداب أهل العلم، حتى وإن عرف الإنسان شيئاً فينطبق عليه ما قال الشاعر:
وقل لمن يدعي بالعلم معرفة             حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء
فينبغي أن نتأدب بآداب السلف الصالح رضوان الله عليهم في أمثال هذه الأمور، حتى لو سمعنا قولين مختلفين في الظاهر فلا نتسرع ونقول: هذا يخالف هذا؛ لأن عقولنا قاصرة، وربما كان أحدهما موافق للآخر لكن بعبارة أخرى، ومع هذا فقد ننقسم إلى فرقتين، وكل منا يؤيد قولاً ولا خلاف في الحقيقة، أو أننا أخطأنا في النقل أو الفهم، وهذا مما يدل على أننا قد نعتني بالفضول ونترك الأصول، وأننا لا نتأدب بآداب وأخلاق طلبة العلم.